الدكروري يكتب عن ابن عبد السلام في العهد الأيوبي والمملوكي


بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية الكثير والكثير عن الإمام العز إبن عبد السلام وهو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السلمي الشافعي، وقيل أنه لما هاجر العز من دمشق وقد ناهز الستين، لم يحمل معه شيئا من المتاع والمال ولما استقال العز من القضاء عند فتواه ببيع الأمراء، خرج من القاهرة وكل أمتعته في الحياة مع أسرته حمل حمار واحد، مما يدل على قناعته بالقليل، وزهده في المال والمتاع، وتميز العهد الأيوبي والمملوكي بكثرة بناء المدارس والاهتمام بالعلم، وقد أثرت الحالة السياسية والكوارث الداخلية والخارجية التي حلت بالبلاد الإسلامية في القرون الثلاثة الخامس والسادس والسابع على الحركة العلمية والنهضة الثقافية، سلبا وإيجابا، فمن جهة ركدت الحركة العلمية.

وقصرت الهمم، وجمد الاجتهاد وساد التقليد، وكان للفساد الاجتماعي والانحلال الخلقي بين الناس أثر على العلم والعلماء الذين آثر كثير منهم اعتزال المجتمع، والانقطاع إلى العلم والعبادة، والابتعاد عن الحكام والأمراء، بينما كان فريق آخر يقف في وجه الانحراف، ويسعى إلى تقويم السلوك وإصلاح المجتمع، ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتصدى لتصرفات الحكام والأمراء، وشهد القرن السابع الهجري أعظم النكبات التي حلت بالثروة العلمية والتراث الإسلامي الضخم، فقتل عدد كبير من العلماء، وحُرقت الكتب والمكتبتات، وهاجر كثير من العلماء من بلادهم إلى مكان آخر، يأمنون فيه على دينهم وعلمهم، ويمارسون نشاطهم ودروسهم، ويركنون فيه إلى البحث والتأليف.

ويضاف إلى ذلك الفتن المذهبية التي كانت تعمل عملها في الداخل، فالصراع شديد بين الباطنية وأهل السنة، وبين أهل السنة مع بعضهم البعض، وبين المسلمين وأهل الذمة، وفي هذا العصر نفسه، ظهرت نهضة علمية كبيرة في الشام ومصر والأندلس، وأقبل كثير من الحكام والأمراء على العلم وتشجيع العلماء وبناء المساجد، والتنافس في بناء المدارس الشهيرة التي كانت بمثابة جامعات، كالمستنصرية التي بنيت في بغداد سنة ستمائة وواحد وثلاثين من الهجرة، والكاملية بالقاهرة سنة ستمائة وواحد وعشرين من الهجرة، والصالحية بمصر ستمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، والظاهرية بدمشق ستمائة وواحد وستين من الهجرة، والمنصورية بالقاهرة ستمائة وتسع وسبعين من الهجرة.

وامتاز العهد الأيوبي في مصر والشام بالاهتمام الشديد بالمدارس والعلماء وتدريس الفقه والحديث، وبناء المعاهد لكل ذلك، ولمع في هذا القرن عدد من العلماء الذين جمعوا بين مختلف العلوم والفنون في مختلف البلاد، ومنهم فخر الدين الرازي، والمبارك بن الأثير الجزري المحدث اللغوي، وموفق الدين بن قدامة الحنبلي والتبريزي الأصولي وأبو القاسم الرافعي القزويني الفقيه الشافعي وعز الدين علي بن الأثير الجزري المؤرخ الأديب وسيف الدين الآمدي الأصولي وشهاب الدين عمر السهروردي الواعظ المتصوف، الذي حضر إلى دمشق والتقى العز بن عبد السلام ومحيي الدين بن عربي المتصوف وابن أبي الدم الحموي القاضي الفقيه وابن الصلاح المحدث والحافظ ابن النجار المؤرخ.

وابن الحاجب الأصولي النحوي الفقيه المالكي، ومجد الدين بن تيمية الفقيه والحافظ عبد العظيم المنذري والعز بن عبد السلام وابن مالك النحوي ومحيي الدين يحيى بن شرف النووي المحدث الفقيه وابن خلكان المؤرخ والقاضي البيضاوي الأصولي المفسر وعبد الرحمن الفزاري الفقيه المعروف بالفركاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.