الدكروري يكتب عن أفضل مواهب الله لعباده


بقلم / محمــــد الدكـــروري

بسم الله والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الذي ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وقيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر، وقال ابن كثير والصحيح أنه ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين، أما بعد فإن العقل هو أفضل مواهب الله لعباده، وإن العقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجاته يسمى أديبا، ثم أريبا، ثم لبيبا، ثم عاقلا، أي تناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه.

ويقال إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه وهو ابن الأربعين، وإن حد العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل، وقد نص الله عز وجل في كتابه على أن من عصاه لا يعقل، فقال تعالى فى سورة الملك ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وإن حد الحُمق هو استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف، وقد أمر الشرع باستعمال العقل وعدم تعطيله، بل ذم من لا يتفكر بعقله الأمور، ولا يتدبر في الآيات مِن حوله، وتوعده بويل، فعن عطاء قال “دخلت أنا وعبيد بن عمير على السيدة عائشة رضى الله عنها، فقالت لعبيد بن عمير قد آن لك أن تزورنا، فقال أقول يا أماه كما قال الأول ” زر غبا تزدد حبا” قال، فقالت دعونا من رطانتكم هذه.

قال ابن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فسكتت، ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال “يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي” قلت والله، إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته، قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال يا رسول الله، لِما تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال “أفلا أكون عبدا شكورا؟ لقد نزلت عليّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” إن فى خلق السموات والأرض” رواه ابن حبان، وإن كان في الحديث كلام، فإن الآية بنفسها دالة على التفكر فهي دعوة الله تعالى للتفكر.

ولما كان للعقل جموح وخروج عن الحق والصواب يصل بصاحبه إلى السفه والشقاء، فقد ألزمه الحكيم الخبير بحسن التصرف والتدبير، فأمره بأن يقنع بردّ علم ما لا يعلم إلى عالمه، حتى يسلم في دينه، فإذا كان من العقل أن يُسلم الرجل نفسه للطبيب فيما لا يعلم، حتى يتحقق له الشفاء والسلامة في بدنه، وتتم له العافية على سبيل الظن، وكما يسلم كل شيء إلى صانعه ومخترعه، ومراكز خدمة صيانته المتخصصة فيصبح من البديهي المُسلم به والأولى أن يسلم عقله وكل جوارحه إلى إلهه ومولاه، إلى خالقه وموجده من عدم، وكم تثار فكرة حديثة قديمة حول شأن العقل وحكمة، حتى وصلت إلى حد الجدلية المفتعلة بين العقل والنقل، وأصلا لو فهمت ماهية العقل، لما أثير هذا الجدل ولكن القصور في العقل قد لا يمكن صاحبه من فهم المراد في الشريعة.

وبذلك قد تنشأ المشكلة، فكل صاحب عقل يحتاج إلى أدوات لفهم النقول والنصوص، وهذا لا يتحقق إلا بالعلم الأصولي لا بل هناك أشياء قد تفهم بطريق الفطرة السوية التي فطر الله بها الخلق ولكن الانجراف وراء الأهواء قد يحرف العقل عن مساره الفطري، فالعقل في نظر العامة من الناس يعتبر بمثابة ملكة تميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى، وذلك على مستوى السلوك والتفكير، وتختلف هذه الملكة من شخص لآخر، حيث قال الله تعالى فى سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين الإنسان العاقل والفاقد للعقل، أو مختله أو ناقصه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.