بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه لن يستقيم حالنا ولن ننعم براحة البال والسعادة الحقيقية إلا إذا تمسكنا بكتاب الله عز وجل وسُنة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ألا فلنعود إلى ديننا، فلنتمسك، ولنتذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنعض على الكتاب والسنة بالنواجذ، ويا من كثرت عليك الهموم، عد إلى رب العالمين، ويا من ظلمت الناس، عُد إلى رب العالمين، ويا من تماديت ولا زلت تتمادى في حق العباد ورب العباد، عُد، فربك رحيم يقبل التوبة، غفار الذنوب لكنه أيضا يُمهل ولا يُهمل، ألا فلا تغرنكم الدنيا فإنها زائلة لا محالة، وما عند الله خير وأبقى، وتذكر أن الله بصير بالعباد يعلم ما في نفسك، فسبحانه وتعالي علام الغيوب، وإن من أبرز معالم المنهج الذي رسمه الإسلام في حقوق الزوجين هو رضا المخطوبة، وأن تكون راضية بالزواج ممن تقدم لخطبتها فينبغي على ولي البنت أخذ رأيها فيمن رغب فيها، فلا يرغمها على الزواج من رجل لا ترغب فيه، ذلك أن الزواج عقد الحياة.
فيجب أن تتوافر فيه الإرادة الكاملة، والرضا التام، فلا إكراه لأحد الطرفين على الاقتران بطرف لا يرغب فيه، أما إذا كانت المرأة تحب الراغب في نكاحها، وتميل إليه، فالأولى تزويجها منه، إذا كان لها كفؤا، وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال أن تسكت” وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الأيّم أحق بنفسها من وليّها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال نعم، قلت فإن البكر تستأمر فتستحي فتسكت، قال سُكاتها إذنها” وعن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوّجها وهي ثيّب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ نكاحه”
وعن القاسم بن محمد أن امرأة من ولد جعفر تخوّفت أن يزوّجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار وهما عبدالرحمن ومجمع ابني جارية فقالا فلا تخشين، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فردّ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها” وإن الأيّم باتفاق أهل اللغة، تطلق على امرأة لا زوج لها، صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيّبا، وقال الفقهاء كافة المراد الثيّب، واستدلوا أنه جاء في الرواية الثانية للحديث بلفظ الثيّب، وبأنها جُعلت مقابلة للبكر، وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيّب، وبأنها جُعلت مقابلة للبكر، وبأن أكثر استعمالها في اللغة للثيّب، والاستئمار هو طلب الأمر من قِبلها وأمرها لا يكون إلا بنطق، أما الاستئذان فهو طلب الإذن، وقد يُعلم إذنها بسكوتها، لأن السكوت من علامات الرضا، وقال الحافظ في التعليق على حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
“الثيب البالغ لا يزوّجها الأب ولا غيره، إلا برضاها اتفاقا والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وقد وقع في الحديث التفرقة بين الثيب والبكر، فعبّر للثيب بالاستئمار وللبكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة، وجعل الأمر إلى المستأمرة، ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد، فإذا صرّحت بمنعه امتنع اتفاقا، والبكر بخلاف ذلك، والإذن دائر بين القول والسكوت، بخلاف الأمر فإنه صريح في القول، وإنما جُعل السكوت إذنا في حق البكر لأنها قد تستحي أن تفصح” وحول حديث ابن عباس، قال النووي في شرح مسلم “واعلم أن لفظة أحق هنا للمشاركة، ومعناه أن لها في نفسها في النكاح حقّا، ولوليها حقّا وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفؤا وامتنعت لم تجبر” وقال الحافظ في كتابه الفتح “البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ، إذ لا معنى لاستئذان مَن لا تدري ما الإذن.
ومن يستوي سكوتها وسخطها واختلفوا في الأب يزوّج البكر البالغ بغير إذنها، فقال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور، يشترط استئذانها، فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصح، وقال الآخرون يجوز للأب أن يزوّجها ولو كانت بالغا بغير استئذان لم يصحّ، وقال الآخرون يجوز للأب أن يزوجها ولو كانت بالغا بغير استئذان، وهو قول ابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق، ومن حجتهم مفهوم الحديث، لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها، فدل على أن وليّ البكر أحق بها منها” وقال صاحب عون المعبود “والاستئذان عندهم إنما هو على استطابة النفس دون الوجوب وليس ذلك بشرط في صحة العقد” وذهب ابن القيم إلى ترجيح قول أبي حنيفة، من أن البكر لا تجبر على النكاح من غير رضاها، لأن ذلك هو الموافق لحكم النبي صلى الله عليه وسلم، وقواعد الشرع، ومصالح الأمة، وقال رحمه الله “وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوّج إلا برضاها.