بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن في ظل هذه الظروف والأزمات المفتعله والفتن المستورده توالت عوامل الانهيار التي تبعثر أجزاء هذه الذات، وتمزق كيانه، وتباعد بينها وبين أن تتمثل القرآن والسنة وتترجمهما إلى حضارة متحركة مبدعة، ولكن عودة هذه الذات المسلمة بكل شروطها الإيجابية، وبكل التزامها بالدور الإنساني العام، التي تتصدى لحمل الأمانة، ودور القيادة أمر ضروري، ليس للذات المسلمة وحدها، ولا للأمة المسلمة وحدها، بل من أجل جميع الإنسانية الضالة، ولا نقول الخراف الضاله ولكي تستمر حضارة الإنسان على هذه الأرض، إذا ما كان مقدرا لها في علم الله أن تسير آمادا أخرى في التاريخ، كما رأى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حُمّرة وهو طائرا يشبه العصفور معها فرخان صغيران لها، قد أخذوا منها فرخاها، فقال صلى الله عليه وسلم “من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها” فما أحوج البشرية إلى تحقيق هذه المبادئ والقيم الانسانية.
التي تميزت بها حضارتنا الإسلامية عبر التاريخ، فإن الشريعة السمحاء التي أنزلها الله، فعالجت كل داء، ورفعت عن أهلها كل بلاء، عالجت كل داء في الأرض، ورفعت كل عناء وبلاء نازل من السماء، فكان أهلها في خير دائم لا ينقطع أبدا خير في نفوسهم وخير في بيوتهم، وخير في قراهم وخير في مُدنهم، خير في دولهم ومجتمعاتهم، ما داموا بهذه الشريعة عاملين، وعلى نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم سائرين، فإنها تعاليم نزلت من السماء، لإقامة العدالة في الأرض، ولإصلاح النفوس، وإصلاح المجتمعات، وإصلاح البلاد والعباد، فهي خير شريعة نزلت من السماء تنشر في الأرض السلام والمحبة والوئام والاجتماع، وتقضي على مرض التفرقة، وتقضي على داء الحسد وعلى وباء الحقد، وعلى مرض الأثرة ومرض الشّح ومرض الأنانية، وتلك هي الأمراض التي تزلزل سعادة البشرية، وتجعل الأمم في حروب مستمرة، ونزاعات لا تنقطع.
وتجعل الإنسان الوديع المسالم الذي اختاره الله خليفة عن حضرته يتحول إلى وحش كاسر وعلى مَن؟ على أخيه الإنسان الوديع، على شيخ كبير فقد القوة، أو على امرأة لا تستطيع الدفاع عن نفسها، أو على صبي صغير لم يبلغ الفطام، يتحول الإنسان الذي لم يتربى على تعاليم الإسلام إلى ما ذكرناه، لأنه غاب عن شرع الله، فنفذ شريعة الغاب التي تفعلها الحيوانات، ولا ينبغي أن تكون بين بني الإنسان قط، فالإنسان قد كرمه مولاه، وأعلن تكريمه في خير دين أنزله الله، وقال في هذا التكريم ” ولقد كرمنا بني آدم” وفي هذا التكريم جعل هذا الدين القويم الإنسان مُكرّما على كل أشكاله، ومختلف ألوانه، فلم يفرّق بين أبيض ولا أسود، ولا أصفر ولا أحمر، بل جعل الناس سواءا لا تفاضل بينهم إلا بتقوى القلوب والعمل الصالح، ولقد كرّم الله هذا الإنسان فحرّم على أى إنسان أن يمتد إليه أذى سواء بلسانه أو بيده أو بآلة أو بأي شئ يملكه أو يستطيعه.
فجعل من يسب إنسانا فاسقا خارجا عن شرع الله، وقال في ذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم ” سباب المؤمن فسوق” وجعل قتاله كفرا فقال ” وقتاله كفر” وأي مؤمنين يصطرعان نهاهما معا أن تمتد يدي أحدهما على الآخر، وقال لهما وفي شأنهما سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم ” إذا إلتقي المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا علي قتل صاحبه” وكما جعل المسلم الذي يميت مسلما بأي وسيلة أو كيفية فمن يقتله بحقنة كمن يقتله بحبّة، كمن يقتله بجرعة سم، كمن يقتله بخنجر، كمن يقتله بمسدس، جعل هؤلاء جميعا في نار جهنم خالدين مخلدين فيها أبدا، وجعل هذا الذنب، وهذا الوزر في نظر رب العالمين، وعند أحكم الحاكمين، لا يماثله إثم ولا ذنب،اسمعوا إلى مبلغ شناعته، وإلى درجة فظاعته حيث يقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم.
” لزوال الدنيا وما فيها أهون علي الله من قتل مسلم بغير حق” فالله عز وجل يجعل دم المسلم أغلى عنده من السموات والأرض، لأنه ينطق بسر الله، ويعلن توحيد الله، ويقول أفضل كلمة قالها قائل في هذه الحياة، هي مفتاح الجنة، وهي مفتاح الأمن يوم لقاء الله، وهي كلمة الإيمان والإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، بل حرّم هذا الدين أن يعذب المؤمن بأي كيفية، بل أن يُضرب المؤمن على أعضاءه التي كرمها رب البرية، فنهى نبيكم الكريم أن يُضرب المؤمن على عينيه أو على أذنه أو على أنفه أو على رأسه أو على أي مكان في وجهه، وقال صلي الله عليه وسلم في ذلك ” من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتق” أي لا يُكفر عن هذا الذنب إلا أن يعتق هذا العبد ويجعله حُرّا لوجه الله عز وجل، بل ونهى عن الضرب للإقرار بالذنب، ونهى عن التعذيب للإعتراف بالجناية، وقال في ذلك مبعوث العناية ورسول الهداية صلى الله عليه وسلم.
” لا ضرب فوق عشر ضربات إلا في حدود الله” وقد يقول البعض كيف تقول هذا والدين أمر الرجال بضرب النساء؟ فنقول له يا هذا هل علمت الكيفية التي أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم أن تضرب بها النساء؟ فلقد أمر بوعظهن أولا، فإن لم يكن الإنسان يستطيع وعظها أحضر لها من يستطيع وعظها، ومن تتقبل كلامه كأبيها أو أخيها أو ناصحا أو معلما، أو مفهما، فإن لم تتقبل النصيحة أمره أن يهجرها في مضجعها، فينام معها ويدير لها ظهره ولا يترك الغرفة لأن هذا يجعلها لا تحس بالذنب ولا وقع ندم، وإنما ينام معها ويدير لها ظهره فإن لم تحس بوقع هذا الذنب يضربها ضربا قال فيه الأئمة الأعلام رضي الله عنهم بأن يُحضر منديله، ويربطه عقدة، ويضربها به، فكأن المقصود ليس الضرب، لأنه ماذا يصنع المنديل عندما تضرب به؟ ولكن المقصود أن تحسّ بأنه غير راض عنها، وغير راض عن أفعالها، وعن سلوكها.
واشترط الشرع الشريف أن يكون هذا الضرب غير مؤذ لها، ولا كاسر لعضو من أعضائها، وإلا خرج إلى حد التجريم وكان جريمة، وديننا يقيم لهذه الجريمة حكمها وليس لدينا وقت الآن لشرح تفصيلها، أما ضرب الخدم فقد قال فيه رسول القدم صلى الله عليه وسلم “إخوانكم خولكم جعلهم الله فتنة تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه” وعندما كان يهدد بالضرب يمسك بالسواك، ويقول ملوحا ومحذرا وليس ضاربا ” لولا القصاص لأوجعتك به ذا السواك” وما الذي يوجعه الضرب بالسواك؟ ولكن هي الرحمة المهداة، والنعمة المسداة التي كرمت عباد الله المؤمنين أجمعين.