الدكرورى يكتب عن إنتظار الفرج


بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن انتظار الفرج عبادة عظيمة، وإن الواجب على من أصيب بأمر يضيق به صدره ويزداد به غمه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله عز وجل وينتظر الفرج، فهذه ثلاثة أمور وهم الصبر، واحتساب الأجر، وانتظار الفرج من الله عز وجل وذلك أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة من غم أو غيره فإنه يكفر الله بها عنه سيئاته وخطيئاته، وما أكثر السيئات والخطيئات من بني آدم “فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” وإذا صبر واحتسب الأجر من الله أثيب على ذلك أي حصل له أمران التكفير والثواب، وإذا انتظر الفرج من الله عز وجل أثيب على ذلك مرة ثالثة، لأن انتظار الفرج حسن ظن بالله عز وجل، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى عمل صالح يثاب عليه الإنسان، وإن الانتظار هو الترقب والتربص، وهو حالة نفسانيّة ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره، وضده اليأس، فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج”

ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه”انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج” وهكذا فإن أفضل العبادة هو انتظار الفرج، وكما قال الله سبحانه وتعالي “أليس الصبح بقريب” فإن صبح المهمومين والمغمومين لاح، فانظر إلى الصباح وارتقب الفتح من الفتاح، وتقول العرب “إذا اشتد الحبل انقطع” والمعنى إذا تأزمت الأمور، فانتظر فرجا ومخرجا وقال سبحانه وتعالى “ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” وفي الحديث الصحيح “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء” وقوله تعالى ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” وقال عمر بن الخطاب وبعضهم يجعله حديثا “لن يغلب عسر يسرين” ومعنى الآية أنه لما عرّف العسر ونكر اليسر، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرّفا ثم أعادته فهو هو، وإذا نكرته ثم كررته فهو اثنان، وقال سبحانه وتعالي “إن رحمة الله قريب من المحسنين”

ويقول صلي الله عليه وسلم “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب” وقال الشاعر إذا تضايق أمر فانتظر فرجا، فأقرب الأمر أدناه إلى الفرج، فما هي إلا ساعة ثم تنقضي، ويحمد غبّ السير من هو سائر، وقيل أنه أضجع أحد الجزارين كبشا ليذبحه بالقيروان، فتخبط بين يديه وأفلت منه وذهب، فقام الجزار يطلبه وجعل يمشي إلى أن دخل إلى خربة، فإذا فيها رجل مذبوح يتشحط في دمه ففزع وخرج هاربا وإذا صاحب الشرطة والرجالة عندهم خبر القتيل، وجعلوا يطلبون خبر القاتل والمقتول، فأصابوا الجزار وبيده السكين وهو ملوّث بالدم والرجل مقتول في الخربة، فقبضوه وحملوه إلى السلطان فقال له السلطان أنت قتلت الرجل؟ قال نعم فما زالوا يستنطقونه وهو يعترف اعترافا لا إشكال فيه، فأمر به السلطان ليُقتل فأخرجوه للقتل، واجتمعت الأمم ليبصروا قتله، فلما هموا بقتله اندفع رجل من حلقة المجتمعين وقال يا قوم لا تقتلوه فأنا قاتل القتيل.

فقبض وحُمل إلى السلطان فاعترف وقال أنا قتلته فقال السلطان قد كنت معافى من هذا فما حملك على الاعتراف؟ فقال رأيت هذا الرجل يُقتل ظلما فكرهت أن ألقى الله بدم رجلين، فأمر به السلطان فقتل ثم قال للرجل الأول يا أيها الرجل ما دعاك إلى الاعتراف بالقتل وأنت بريء؟ فقال الرجل فما حيلتي رجل مقتول في الخربة وأخذوني وأنا خارج من الخربة وبيدي سكين ملطخة بالدم، فإن أنكرت فمن يقبلني وإن اعتذرت فمن يعذرني؟ فخلى سبيله وانصرف مكرما، وإنها لتمر عليّ أيام لا أكاد أن اتنفس من الضيق مما في صدري من هموم وغموم وأحزان، لأي سبب كان فأعود إلى ربي مستغفرا محوقلا، مع تربية على الصبر، ومجاهدة على الثبات، فما هي إلا ساعات أو أيام تزود او تنقص، فتحل بعد الضيق فسحة، وبعد الكدر سرور، وبعد المدكرات صافيات، وما أجمل أن تتربى على انتظار الفرج لأنه لا محالة قادم، فتنال أجر انتظاره، وتفوز بسعادة وصوله.

فإن مع العسر يسرا، فبعد الجوع شبع، وبعد الظمإ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وسوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام “فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده” بشّر الليل بصبح صادق سوف يطارده على رؤوس الجبال ومسارب الأودية، بشّر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشّر المنكوب بلطف خفيّ وكفّ حانية وادعة، وإذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد، فاعلم أن وراءها رياضا خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، فلا تضق ذرعا، فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، والأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، وقال أحد السلف كنت في طريق الحجاز.

فعطش الناس في مفازة تبوك، فنفذ الماء ولم يوجد إلا عند صاحب لي جمّال، فجعل يبيعه بالدنانير بأرفع الأثمان فجاء رجل كان موسوما بالصلاح عليه قطعة نطع يحمل ركوة، ومعه شيء من دقيق فتشفع بي إلى الجمّال أن يبيعه الماء بذلك الدقيق، فكلمته فأبى عليّ ثم عاودته فأبى، قال فبسط الرجل النطع ونثر عليه الدقيق ثم رمق السماء بطرفه وقال إلهي أنا عبدك وهذا دقيقك ولا أملك غيره، وقد أبى أن يقبله، ثم ضرب بيده النطع وقال وعزتك وجلالك لا برحت حتى أشرب فوالله ما تفرقنا حتى نشأ السحاب وأمطر في الحين فشرب الماء ولم يبرح، فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “رُبّ ذي طمرين لا يُؤبه له مطروح بالأبواب لو أقسم على الله لأبّره” وقيل استأجر الحسن البصري رحمه الله يوما حمّالا ليحمل متاعه من السوق إلى البيت فكان يسمعه طوال الطريق يردد كلمتين لا يزيد عليهما الحمد لله، أستغفر الله، فلمّا وصل بيته وأعطاه أجره سأله عن ذلك؟

فأجاب أنا في حياتي كلها مع الله بين أمرين، نعمة الله عليّ تستحق مني الحمد، وتقصيري في حق ربي يستحق الاستغفار، فضرب الحسن كفا بكف وقال “حمال أفقه منك يا حسن” إن ذروة عطاء الله للعبد ليست السعادة، فالسعادة شعور مؤقت زائل وإنما ذروة عطاء الله للعبد هي الرضا، فالله سبحانه لم يقل لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولسوف يعطيك ربك فتسعد، وإنما قال ولسوف يعطيك ربك فترضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.