بقلم / محمـــد الدكـــروري
اتقوا الله تعالى واذكروه على ما أراكم من آياته الكونية الدالة على وحدانيته وعلى كمال ربوبيته وقدرته فإن في كل شيء من مخلوقاته آيات تدل آيات تدل على أنه إله واحد ورب عظيم ماجد كامل العلم والقدرة والرحمة والحكمة والعظمة والسلطان فمن آياته خلق السماوات والأرض والنظر إلى السماء بحسنه وكمالها وارتفاعها وقوتها علم بذلك تمام قدرة الله وحكمته، فإن في هذه السماء وفي جوها من آيات الله ما يبهر العقول فهذه الشمس العظيمة الكبيرة الحجم الشديدة الحر جعلها الله تعالى سراجا وهاجا تصل إلى الأرض حرارتها مع هذا البعد الكبير لتنبت الزروع والثمار وتدفئ الأجواء والبحار تسير بانتظام بديع وسير سريع لو نزل مقدار شعرة أو ارتفعت لإختل نظام الأرض وفسد.
وهذا القمر البدر المنير آية الليل جعله الله مقدرا بمنازل لنعلم بذلك عدد السنين والحساب وله آثار على البحار والأشجار باختلاف هذه المنازل، ومن نظر إلى الأرض وما فيها من آيات الله علم بذلك تمام قدرته تعالى وحكمته مهدها الله لخلقه وسلك لهم فيها سبلا وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها جعلها الله تعالى ذلولا لعباده يبكون في مناكبها ويأكلون من رزقه يحرثون ويزرعون ويصلون إلى المياه في جوفها فيسقون ويشربون جعلها الله تعالى قرارا للخلق لا تميل بهم ولا تضطرب ولا تتزلزل ولا تتصدع إلا بإذن الله، وفي الأرض قطع متجاورات مختلفة في ذاتها وصفاتها وفي منافعها هذه رمال وإلى جانبها جبال هذه معادن من الذهب وهذه معادن من الفضة.
وهذه معادن من الحديد وهذه معادن من الرصاص وفي الأرض جنات من تحيل وأعناب صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد وعلى أرض واحدة ومع ذلك فبعضه مفضل على بعض في الأكل، وقد قال ابن القيّم “والنظر في هذه الآيات وأمثالها نوعان، نظر إليها بالبصر الظاهِر فيرى مثلًا زُرقَة السماء ونجومها، وعلوها وسعتها وهذا نظر يشارِك الإنسان فيه غيره من الحيوانات، وليس هو المقصود بالأمر، والثاني أن يتَجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة فتفتح له أبواب السماء فيجول في أقطارها وملَكوتها وبين ملائكتها، ثم يفتح له باب بعد باب، حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن، فينظر سعتَه وعظمته، وجلاله ومجده ورفعته، ويرى السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة إليه.
كحلقة ملقاة بأرض فلاة، ويرى الملائكةَ حافين من حوله لهم زجل بالتسبيح والتحميد، والتقديس والتكبير، والأمر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها إلا ربها ومليكها، فينزل الأمر بإحياء قوم وإماتة آخرين، وإعزاز قوم وإذلال آخرين، وإسعاد قوم وشقاوة آخرين، وإنشاء ملك وسلْب مُلك، وتحويل نعمة من محل إلى محل، وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها من جبر كسير، وإغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهِل، ورد آبق، وأمان خائف، وإجارة مستجير، ومدد لضعيف، وإغاثة لملهوف، وإعانة لعاجز، وانتقام من ظالم، وكف لعدوان، فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل.
والحكمة والرحمة، تَنفذ في أقطار العوالم لا يشغله سمع شيء منها عن سمع غيره، ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها واتحاد وقتها، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا تَنقص ذرة من خزائنه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته خاشعا لعظمته عانيا لعزته، فيسجد بين يدي الملك الحق المبين سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه، وهذا من أعظم آياتِ الله وعجائب صنعه، فيا له من سفر ما أبركه وأروحه، وأعظم ثمرته وربحه، وأجل منفعته وأحسن عاقبته سفر هو حياة الأرواح ومفتاح السعادة، وغنيمة العقول والألباب، لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب.